المقدمة: (طرح الإشكالية )
الإنسان كائن إجتماعي بطبعة يتعامل مع غيره ووسيلته في ذلك اللغة, ولقد أصبح من الشائع لدى بعض الفلاسفة ان الألفاظ حصون المعاني لكن هناك من يعارض ذلك وهم أصحابالإتجاه الثنائي ولقد تقرر لدي رفض الأطروحة <الإتجاه الواحدي> والمشكلة المطروحة كيف نبطل ذلك؟
[size="5"]التحليل : محاولة حل الإشكالية الجزء الأول إن الأطروحة القائلة <الألفاظ حصون المعاني > أطروحة باطلة وذلك بوجود عدة مبررات تدفعنا إلى ذلك ومن الناحية الواقية كثيرا مايتراجع الإنسان عن كتابة بعض الكلمات أو يتوقف عن الكلام والسبب في ذلك أن الألفاظ تخونه أي رغم وجود المعاني إلا أنه لايستطيع التعبير عنها وقد يعود السبب إلى عدم القدرة الألفاظ على إحتواء المعاني العميقة والمشاعر الدافئة والعواطف الجياشة لذلك قيل إذا كانت كلماتي من ثلج فكيف تتحتوي بداخلها النيران ومن الأمثلة التي توضح ذلك أن الأم عندما تسمع بخبر نجاح ولدها قد تلجأ إلى الدموع , وهذا يبرر عجز اللغة الجزء الثاني إن هذه الأطروحة لها مناصرين وعلى رأسهم جون لوك الذي قال << اللغة سلسلة من الكلمات تعبر عن كامل الفكر >> ولكن كلامه لايستقيم أمام النقد لأن الألفاظ محصلة ومحدودة بينما المعاني مبسوطة وممدودة وكما قال أبو حيان التحيدي << ليس في قوة اللفظ من أي لغة كان أن يملك ذلك المبسوط (المعاني ) ويحيط به >> وكذلك ترى الصوفيةيلجأون إلى حركات ورقصات لأن الألفاظ لم تستطع إخراج جميع مشاعرهم .
الجزء الثالث إن الأطروحة القائلة الألفاظ حصون المعاني يمكن رفعها ( إبطالها) بطريقتين : شخصية وهذا ماحدث لي عندما إلتقيت بزميلي لم أره منذ مدة حيث تلعثم لساني ولم أستطع التعبير عن مشاعرالإشتياق نحوه , إن الألفاظ في هذه الحالة قتلت المعاني ونجد بركسون أبطل هذه الأطروحة وحجته أن اللغةمن طبيعة إجتماعية وموضوعية بينما الفكر ذاتي وفردي .
الخاتمة : حل الإشكالية
وخلاصة القول أن اللغة مجموعة من الإشارات والرموز تستعمل للإتصال والتواصل والفكر خاصية ينفرد بها الإنسان وقد تبين لنا أن هناك من يربط بين الفكر واللغة مما دفعنا إلى رفض هذه الأطروحة ونقدمسلماتها والرد على حججها وبالنظر ما سبق ذكره نصل إلى حل هذه الإشكالية إن الطروحة القائلة < الألفاظ حصون المعاني >أطروحة باطلة ويجب رفضه
إن لفظ اللغة عند عامة الناس يرتبط بالكلام، حيث يوصف الشخص الذي يمارس لغة معينة بأنه يتكلم تلك اللغة. لكن هذا الارتباط الظاهري بين اللغة والكلام يمكن فكه بملاحظة بسيطة وهي أن الكلام هو عبارة عن حدث ذو بعد واحد هو البعد الزمني، سرعان ما ينتهي بانتهاء التلفظ به رغم أنه يبقى قابلا للتكرار والتجديد. أما اللغة فهي ما يتبقى عندما ينتهي الكلام على شكل كلمات وحروف مرسومة وقواعد من أجل توظيفها واستعمالها. يظهر هذا الارتباط كذلك من خلال بعض المعاجم الكلاسيكية، حيث جاء في لسان العرب التعريف التالي: ” اللغة هي أصوات يعبر بها قوم عن أغراضهم.” لكن الواقع والتجربة الملموسة يظهران عكس هذا التصور، فاللغة لا تنحصر فقط في النطق والكلام والأصوات، لأنه توجد وسائل أخرى يعبر بها قوم الإنسان عن أفكاره وإحساسا ته ومشاعره ويتواصل بها مع الآخرين كالحركات والإشارات والعلامات والرموز التي تكتسي بدورها دلالات وأبعاد مختلفة حسب كل جماعة بشرية.
من خلال هذه الملاحظة يبدو أن عملية التواصل بين الناس عن طريق الكلام هي عملية محدودة إذا قارناها بالوسائل الأخرى التي يتوفر عليها الإنسان قصد التواصل مع الآخرين ما يجعل اللغة ظاهرة كونية تتواصل من خلالها كل الكائنات، بينما اللغة التي تعتمد على الكلام فهي تختلف من مجتمع إلى آخر.
يميز العالم الغوي فردناند دوسوسير بين اللغة والكلام واللسان، على أساس أن القاسم المشترك بين اللسان والكلام هو تمثيلهما لطرفي الثنائية التي تميز اللغة، حيث يشكل اللسان التجلي الجماعي لظاهرة اللغة، أما الكلام فهو يمثل التجلي الفردي لنفس الظاهرة. بناءا على هذا فإن اللسان يتحدد بواسطة اتفاق الجماعة البشرية، فهو نسق يضم مجموعة من القواعد والعناصر التي يوجد حولها إجماع بين أفراد الجماعة. وهي المكونات المستعملة للتعبير عن مفاهيم ذهنية مشتركة، أم الكلام فهو تحقيق أو استعمال فردي لمجموعة من القواعد التي يتكون منها اللسان. فالفرد المتكلم يعمل على اكتساب مكونات اللسان من خلال أنشطة داخل المجال الاجتماعي كالتعليم والتواصل والاحتكاك بالجماعة وهو بهذا لا يستطيع أن يتجاوز خلال عملية إنجاز الكلام مكونات هذا اللسان، لأن الجماعة لاتسمح بخرق تلك المكونات، واللغة تهدف بالأساس إلى التواصل يين أفراد المجتمع للتعبير عن حاجياتهم وعواطفهم وأفكارهم.
إن البحث في إشكالية اللغة يقتضي تحديديها كمفهوم فلسفي وعلمي دقيق وشامل مما يجعلنا نلجأ إلى معجمين رئيسيين قصد القيام بهذه العملية: يقول لالاند في معجمه: “تتحدد اللغة في معنيين، معنى خاص ومعنى عام. أما اللغة في معناها الخاص فهي وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر. واللغة في معناها العام هي كل نسق من العلامات يمكن أن يتخذ كوسيلة للتواصل.”
نجد كذلك في معجم لاروس التعريف التالي: ” اللغة هي القدرة الخاصة بالنوع البشري على التواصل بواسطة نسق من العلامات الصوتية( اللسان) وهي قدرة تستخدم تقنية جسدية معقدة وتفترض وظيفة رمزية ومراكز عصبية متخصصة وراثيا.”
استنتاج:
نستنتج من خلال هذه التحديدات الأولية مايلي: اللغة ظاهرة إنسانية مادام الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على ممارسة اللغة. 1- 2-اللغة ظاهرة فردية وجماعية مادام الكلام هو الاستعمال الفردي للغة، وأن هذه الأخيرة لايمكن ممارستها إلا داخل جماعة بشرية معينة. 3- اللغة ظاهرة ثقافية لأنها عبارة عن نسق من العلامات والرموز خاصة بثقافة ومجتمع معينين. 4- اللغة ظاهرة بيولوجية لأن الإنسان يمارس اللغة بفضل توفره على جهاز صوتي يسمح بذلك ومراكز عصبية تتحكم في عملية النطق والكلام. *- بمعنى آخر إن اللغة هي ظاهرة معقدة ومتعددة الأبعاد والمكونات الشيء الذي يدفعنا إلى طرح عدد من التساؤلات. 1- هل اللغة ظاهرة خاصة بالإنسان أم مشتركة بينه وبين الحيوان؟ 2- كيف تنشا الدلالة والمعنى في اللغة، هل بشكل تلقائي أم عن طريق الإجماع والاتفاق؟ 3- ما هي العلاقة التي تربط بين اللغة والفكر، هل للفكر وجود مستقل عن اللغة أم أن هذه الأخيرة هي نسيج الفكر وقوامه؟ 4- هل هناك وظيفة واحدة للغة أم وظائف متعددة؟ 5- كيف تؤدي اللغة وظيفة التواصل؟
اللغة الإنسانية واللغة الحيوانية:
هل اللغة ظاهرة خاصة بالإنسان أم مشتركة بينه وبين الحيوان ؟
موقف ديكارت: إجابة على الإشكال المتعلق باختصاص الإنسان باللغة في مقابل عدم وجودها عند الحيوان، نتوقف عند أهم إجابة فلسفية حديثة تتمثل في موقف الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي يرى بأن الإنسان بطبعه قادر على تأليف الكلام من أجل التعبير عن أفكاره ومشاعره. أما الحيوان فهو على العكس من ذلك ليست له القدرة على ممارسة رغم أنه يتوفر على أعضاء الكلام. ومن أجل تأكيد هذه الأطروحة اعتمد ديكارت على مجموعة من الحجج أهمها أن الإنسان يتكلم لأنه يمتلك عقلا بينما الحيوان غير قادر على ذلك لافتقاده هذا العنصر الأساسي. وبين بواسطة المثال أن الببغاء لا يستطيع أن ينطق بنفس الطريقة التي ينطق بها الإنسان نظرا لافتقاده للوعي والعقل، بينما نجد الشخص الأبكم يستطيع أن يعبر عن أفكاره بواسطة الإشارات وذلك لسبب بسيط هو أنه كائن عاقل، كما أن هناك بعض الحيوانات تستطيع أن تتعلم مجموعة من الأشياء ومع ذلك لا ترقى على مستوى طفل مريض. الحيوانات إذن تعبر عن انفعالاتها بواسطة مجموع من الحركات وليس بواسطة لغة، فلو كانت تتكلم لاستطاعت أن تتفاهم مع الإنسان. إن موقف ديكارت من هذا الإشكال هو موقف فلسفي يتعلق بالإنسان، وهو موقف يتأسس على تصور مثالي للغة، مادام الفكر سابق عليها. وإذا أردنا مناقشة هذا الموقف يمكن القول بأن الإنسان يتكلم أو يمارس لغة ليس فقط لأنه يمتلك عقلا بل لأنه كذلك يعيش داخل مجتمع ويحتاج إلى اللغة قصد التواصل مع باقي أفراد الجماعة. ثم إن الإنسان يتكلم لغة لأنه يتوفر على مراكز عصبية في دماغه هي التي تتحكم في عملية الكلام كما تبين العلوم الفزيولوجية المعاصرة.
إذن يبقى موقف ديكارت، رغم قيمته الفلسفية، موقفا جزئيا ونسبيا يحتاج إلى مناقشته وإغناء أطروحته بمواقف مغايرة نستمد أغلبها من تطور العلوم المعاصرة كالبيولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع واللسانيات.
موقف بينفنست: إن الأطروحة القائلة باختصاص الإنسان وحده باللغة دون الحيوان، والتي دافع عنها ديكارت يمكن تدعيمها بموقف آخر للعالم اللغوي إميل بنفنيست الذي قام بمقارنة بين التواصل عند الإنسان والتواصل عند الحيوان، واتخذ كنموذج لهذا الأخير ظاهرة التواصل عند النحل حيث بين معتمدا على دراسات علمية في مجال الطبيعيات على أن التواصل عند النحل يعتمد أساسا على الحركة المتمثلة في الرقص، فالنحلة تنقل خبر وجود مكان وجود الطعام إلى خليتها عن طريق تقديم مجموعة من الرقصات وهذه الحركة تعتمد بدورها على ضوء النهار بينما التواصل الإنساني يقوم علىالصوت وغير مقيد بشرط الضوء، كما أن التواصل عند النحل هو ذو بعد واحد لأن النحلة عندما تنقل الرسالة فهي لا تنتظر جوابا وهذا دليل على انعدام الحوار الذي هو شرط أساسي في اللغة الإنسانية. التواصل عند النحل كذلك يعتمد على مرجع موضوعي وهو مكان الطعام، لكن التواصل عند النحل كذلك يعتمد بالإضافة إلى الواقع على المرجع اللساني بحيث يمكن للإنسان أن يخبر عن شيء لا وجود له، وأخيرا فلغة النحل لاتقبل التحليل والتأويل لأنها تحمل مضمونا إجماليا يتعلق بالمكان فقط بينما اللغة الإنسانية قابلة للتحليل والوصف.
ينتمي هذا التحليل الذي قام به بينفنست على تصور علمي لساني لإشكالية علاقة اللغة بالإنسان والحيوان، حيث عالج الموضوع من وجهة نظر علمية تتمثل في استخدامه لجهاز مفاهيمي لساني معاصر وكذلك اعتماده على بعض النتائج العلمية التي اهتمت بدراسة النحل وسلوكاته خاصة في مجال العلوم الطبيعية. الملاحظة التي يمكن تسجيلها بخصوص هذا الموقف هو أنه اتخذ مثال النحل الذي هو جزء من الحيوان وعممه على جميع الحيوانات الأخرى، وهذا نوع من التحليل الناقص لأنه لو حذفنا النحل ووضعنا مكانه حيوانا آخر لما وجدنا هذه الخاصيات التي ينسبها إلى التواصل عند الحيوان.
ما يمكن استنتاجه من هذا الموقف هو أن اللغة الإنسانية ترتكز على مجموعة من الخصائص يمكن اختزالها في ما يلي: 1- الارتكاز على الصوت. 2- التحرر من المرجع الموضوعي والشرط الفيزيائي. 3- الحوار والتفاعل. 4- القابلية للتحليل والتأويل والوصف. 5- التمفصل المزدوج ن ومعناه أن المتكلم يمكن أن ينتج عددا متناهيا من الكلمات والدلالات من عدد متناه من الوحدات اللغوية مع التعبير عن تجربته دون اللجوء إلى عناصر لغوية جديدة.
العلامة والرمز اللسانيان: كيف تنشأ الدلالة والمعنى في اللغة؟ الرمز والعلامة يمعناهما اللغوي: هما نشاط ذهني تمثلي يقوم من خلاله الفكر بإثارة موضوع أو معنى بواسطة موضوع آخر مثلا الدخان علامة على النار والميزان رمز للعدالة. وبفضلهما يتحرر الفكر من سلطة الواقع في تنوعه وتبدله ويزداد هذا التحرر الفكري اتساعا وغنى في العلامات والرموز اللسانية.
إلا أن هناك فرق جوهري بين العلامة بمعناها الخاص والرمز ذلك لأن هذا الأخير لا يكون اعتباطيا بصفة مطلقة فليس عديم المضمون بل يحتوي على رابطة طبيعية تربطه مع ما يرمز إليه، إن الرمز يشتمل على التمثيل الذي يعبر عنه. فالأسد يستخدم رمزا للقوة لأنها صفة يتميز بها، والثعلب رمزا للمكر… هكذا يبدو أن الرمز في نظر هيجل ليس اعتباطيا لكن لا يجب أن يفهم من ذلك أن الرمز يطابق تمام المطابقة المدلول عليه لأنه يحمل خصوصيات غير موجودة في المدلول عليه.
أما العلامة فهي اعتباطية ولقد وضح ذلك انطلاقا من الألوان التي تدل على أمة معينة. إن العلامات والرموز هي عبارة عن وسائط تمثيلية بين الفكر والواقع لأن كل لسان كما يقول كاسيرر: “حيوان رامز”
إن العلامات والرموز قد تتخذ أشكالا متعددة: قد تكون طبيعية(الأسد رمز للقوة) وقد تكون ثقافية(الميزان رمز للعدالة) وقد تتخذ شكل صور وشكل كتابة وقد تتخذ كذلك شكل علامة لسانية. فما المقصود بالعلامة اللسانية وكيف تنشأ الدلالة والمعنى في اللغة، بشكل تلقائي وطبيعي أم بالمواضعة والاتفاق؟
تعربف العلامة اللسانية: يقول بنفنست:”…وهكذا الشأن في العلامة اللسانية فأحد مكونات العلامة هي الصورة الصوتية ويشكل الدال. أما المكون الآخر فهو المفهوم ويشكل المدلول” الدال:هو الصورة السمعية التي تولدها في الذهن الأصوات التي يسمعها المتلقي. المدلول هو التصور الذهني الذي تثيره الصورة السمعية في ذهن المستمع. ومن ثمة تطرح طبيعة العلاقة بين الدال و المدلول: هل هي اعتباطية(اصطلاحية) أم هي علاقة طبيعية تعكس فيها الكلمة الشيء المعبر عنه أم أن العلاقة بينهما ضرورية؟
1- موقف أفلاطون: الأطروحة الطبيعية في محاورة كراتيل يورد أفلاطون نقاشا فلسفيا جرى بين شخصين هما هرموجين وكراتيل اختلفا فيه حول علاقة الكلمات بالأشياء، حيث يرى كراتيل بأنها علاقة طبيعية، بينما يرى الآخر أنها علاقة اتفاق واصطلاح،تم اللجوء إلى سقراط قصد الاحتكام إليه فبدأ يحاور هيرموجين لكي يقنعه بأن الاسم هو محاكاة للشيء وبالتالي فالكلمات تنتمي إلى الأشياء على نحو طبيعي، مدافعا بذلك عن موقف كراتيل. إن نظرية المحاكاة عند أفلاطون تنبني على أساس أن لكل وجود اسم يضمه بطبيعته، فإما أنه متضمن في صوته أو في صورته أو في أحد أعراضه الأخرى كاللون مثلا. وأفلاطون يرى بأن عملية المحاكاة تتطلب العلم بماهية الشيء مادام لكل وجود ماهية. وبهذا يكون قد فتح المجال لنسقه الفلسفي الذي يرى بأن الوجود المادي ليس هو الحقيقة وإنما هو نسخة أو محاكاة لتلك الحقيقة.
2- موقف دوسوسير: الأطروحة الاصطلاحية الاعتباطية يحاول دوسوسير الإجابة على إشكال يدور حول علاقة الدال بالمدلول هل هي علاقة طبيعية أم اعتباطية؟ مستهلا ذلك بنقده للأطروحة الطبيعية وتفنيد عناصرها مبينا أنها تعتمد على وجود المعاني الجاهزة وتقر بأسبقية المعنى على اللفظ. كما أنها لاتهتم بتحديد طبيعة اللفظ وماهيته وتعتبر أن علاقة الاسم بالمسمى هي علاقة بسيطة. بعد ذلك يشرع في الدفاع عن أطروحته المغايرة ويرى بأن الدلالة لا تربط الاسم بالمسمى بل توحد بين تصور وصورة سمعية، أي بين الدال والمدلول مؤكدا على البعد السيكولوجي في هذا المجال. إذن فالدلالة هي التركيب المكون من الدال والمدلول والعلاقة بينهما هي علاقة اعتباطية والسبب في ذلك هو اختلاف الألفاظ باختلاف الألسن، فالدال ( أ-خ-ت) لا تربطه أية علاقة ضرورية بمفهوم القرابة الذي يعبر عنه، لأن كل لسان يرسم الدال بالطريقة التي يتواضع عليها أفراد الجماعة. من هنا يستنتج دوسوسير أن عملية الدلالة خاضعة للموا ضعة والاتفاق لأن المجتمع هو الذي ينتج العلامة ويعطيها دلالتها.
3- موقف بنفنست: الأطروحة الضرورية يختلف بنفنست مع دوسوسير في تحديد العلاقة التي تربط الدال بالمدلول، مؤكدا على وجود تماثل ضروري بينهما إلى حد اعتبارهما وجهان لعملة واحدة لايمكن الفصل بينهما، فالدال هو الترجمة الصوتية للمفهوم، والمدلول هو المقابل الذهني للدال. إن العلاقة الضرورية بين الصورة الذهنية لكلمة ثور ومجموعة الأصوات المتتالية: ث- و- ر. فالمفهوم-(المدلول) ثور ماثل في وعيي بالضرورة للمجموع الصوتي(الدال) ثور. والحجة الدالة على هذه العلاقة الضرورية بين الدال والمدلول، هو أنه بمجرد رؤيتنا أو استحضارنا لأحدهما، إلا واستحضرنا العنصر المرتبط به. فكلاهما نقشا في ذهني وكل منهما يستحضر الآخر في كل الظروف.ثمة بينهما اتحاد وثيق إلى درجة أن مفهوم ثور هو بمثابة روح الصورة الصوتية ث – و- ر.
لايمكن للذهن الإنساني أن يحمل مفاهيم ليس لها مقابل يمكن للإنسان التعرف عليه وإدراكه. فجميع مفاهيم الذهن الإنساني هي أسماء لمسميات، ولايمكن لهذت الأخير أن يقبل بأسماء هو يجهل في الواقع ما توحي به. إن الذهن لا يتقبل من الأشكال الصوتية إلا ذلك الذي يكون حاملا لتمثل يمكنه التعرف عليه وإلا رفضه بوصفه مجهولا وغريبا.
اللغة ، الفكر ، التواصل
أ- اللغة والفكر
الإنسان كائن اجتماعي، ولا حياة اجتماعية بدون تواصل ولا تواصل بين الناس بدون لغة، واللغة إلى جانب وظيفتها التواصلية ودورها وفعاليتها في تحقيق الوجود الاجتماعي للإنسان فإن لها دورا فعالا أيضا في عملية إنتاج مختلف أصناف التفكير: الأسطورة- الدين- الفلسفة – العلم… وحول علاقة اللغة بالفكر يهمنا أن نثير ونناقش التساؤل الإشكالي التالي: ماهي علاقة اللغة بالفكر هل هي علاقة اتصال آم انفصال؟ هل للفكر وجود مستقل عن اللغة أم أن اللغة هي نسيج الفكر وقوامه ولا انفصال بينهما؟
1- التصور الانفصالي: وهو تصور فلسفي مثالي يعتبر أن الفكر جوهر ذو طبيعة روحية بينما اللغة هي ظاهرة ذات بعد مادي يتجلى في الكلام والصوت والكتابة. يمثل هذا التصور في الفلسفة الحديثة ديكارت الذي يمكن أن ننظر إلى موقفه في إطار فلسفته المثالية التي تتلخص فيم يسمى الكوجيطو الديكارتي:” أنا أفكر إذن أنا موجود”، حيث أثبت عن طريق الشك أن هناك ذاتا تمارس الشك، هي الذات المفكرة، وبعد أن أثبت ذاته، أثبت وجود الله ثم وجود العالم ووجود الجسم الذي جزء من العالم. إذن موقف ديكارت هو جزء من فلسفته المثالية بمعنى أن الفكر عنده سابق على اللغة. يدعم الفيلسوف الفرنسي برغسون هذا التصور الديكارتي عندما يقول بأن عدد الكلمات محدود ومرتبط بالمادة والمنفعة، لهذا فإن اللغة كأداة للتواصل لا تعبر إلا عما هو مادي، وبالتالي تكون عاجزة عن التعبير عن ما ليس ماديا كالقضايا الميتافيزيقية والحالات الباطنية الخاصة بالإنسان الفرد، وهذا الموقف ناتج عن التصور الانفصالي الذي تعتبر الفكر سابقا على اللغة ومنفصلا عنها.
2- التصور الاتصالي: يمثل هذا التصور مجموعة من المفكرين وعلماء اللغة الذين عبروا عن مواقف مخالفة للتصور الفلسفي المثالي ومن ضمنهم :دوسوسير وبنفنست ومرلوبونتي وكريستيفا. ينطلق دوسوسير من فكرة أساسية وهي أنه على المستوى السيكولوجي نجد أن الفكر إذا انعزل عن اللغة يبدو ككتلة غامضة بدون شكل متميز، مبرزا استحالة وجدد فكر بدون لغة، وهذا نقد موجه للتصور الفلسفي المثالي، كما بين أن للغة وظيفة معرفية وذلك عن طريق ابتكار التصورات وأشكال الفكر وهذا دليل على عدم انفصالها، مثال (وجهي الورقة)، بالإضافة إلى قيامها بوظيفة التوضيح والتمييز حيث تميز الفكر بإخراجه من الغموض إلى الوضوح عن طريق تقسيمه على وحدات وأجزاء متميزة، مثال ( الريح والماء) فسطح الماء هو الفكر بينما الريح هي اللغة التي تقسم الفكر وتجزئه. وقد اعتمد دوسوسير على معطيات علمية بالدرجة الأولى موظفا بعض النتائج التي توصل إليها علم النفس في عصره بالإضافة على الابتكارات النظرية الجديدة في مجال اللسانيات العامة والعلوم المتفرعة عنها مثل السيميولوجيا والفونولوجيا.
أما مرلوبونتي فقد ابرز بأن الفكر لا ينفصل عن تعبيره، كما أن اللغة ليست وعاءا لفكر يسبقها لأن التعبير بالنسبة للذات المتكلمة يعني حصول الوعي، إنها لا تعبر فقط من اجل الآخرين بل تعبر لكي تعرف هي ذاتها ما تقصده. إن الفكر يتجول داخل اللغة واللغة تسكن الإنسان ككائن يوجد دائما داخل الكلمات، فالكلام هو الوجود الخارجي للمعنى.
إذن الفكر لا ينفصل عن تعبيره، فإذا تقدم عليه في الوجود سيكون مجرد ترجمة بسيطة بالنسبة إليه كما أن الفكر ليس استنباطا داخليا حيث تتموقع الأفكار داخل أشكال لغوية فكل كلام يفترض الحصول المتوازي للمعنى والكلمة في نفس الوقت، لا وجود لفكر قبل اللغة، ولا وجود للغة قبل الفكر، لأن لحظة إنتاج اللغة هي لحظة تشكل الفكر.
استنتاج: إن المواقف السابقة تنتمي إلى التصور العلمي اللساني الذي ينطلق من أن العلاقة الموجودة بين اللغة والفكر هي علاقة اتصال وارتباط حيث لايمكن تصور لغة دون فكر ولافكر دون لغة، فوجود كل واحد منهما متوقف على وجود الآخر. كما تنطلق هذه الأطروحة من اعتبار أن اللغة هي ظاهرة ذات صبغة مادية، فهي إما أن تكون مكتوبة أو منطوقة أو حركية. وهذا ما عبرت عنه الناقدة كريستيفا التي ترى بأن بأننا إذا نظرنا إلى اللغة من الخارج نجد أنها تكتسي طابعا ماديا متنوعا يجب معرفة ظواهره وروابطه. فاللغة سلسلة من الأصوات والدلائل المكتوبة ونظام من الحركات، هذه الصفة المادية للغة تنتج ما نسميه فكرا وتعبر عنه في نفس الوقت. إن هذا التصور العلمي يعتمد على نتائج الدراسات اللغوية المعاصرة وعلى بعض العلوم الإنسانية كعلم النفس وعلم الاجتماع، كما أنه تصور جدلي يرى بأن العلاقة بين اللغة والفكر هي علاقة جدلية، فاللغة تنتج الفكر والفكر يساهم كذلك في خلق اللغة وتطويرها.
ب- اللغة والتواصل
- كيف تحقق اللغة وظيفة التواصل؟ - هل للغة وظيفة واحدة أم عدة وظائف؟
يرى جاكبسون بأن للغة وظيفة واحدة هي وظيفة التواصل بحيث إن لكل عملية لسانية ولكل فعل تواصلي ستة عوامل أو مكونات وهي : المرسل والمرسل إليه والرسالة التي تستلزم سياقا تحيل عليه وسننا مشتركا بين المرسل والمرسل إليه، وتفترض كذلك قناة للتوصيل. ولكل عامل من هذه العوامل وظيفة كالانفعالية والتأثيرية والمرجعية والاتصالية والواصفة والشعرية ويمكن جمع هذه الوظائف في وظيفة واحدة هي الوظيفة التواصلية أو الاتصالية. إن موقف جاكوبسون رغم قيمته العلمية يبقى مع ذلك قابلا للنقاش، لأنه لايمكن حصر وظائف اللغة في وظيفة محددة وهذا ماجعل كريستيفا ترى بأنه بالرغم مما حققه جاكبسون في أبحاثه العلمية إلا أنه سقط في التصور الأداتي للغة التي أصبحت عنده أداة للتواصل مبرزة بأن اللغة تنتج الفكر وتحققه في نفس الوقت وبالتالي فهي تساهم بشكل كبير في إنتاج وتكوين الذات المتكلمة( تعلم الطفل للغة).
أما دوكرو فهو يرى بأن اللغة لا تؤدي وظيفة التواصل إلا عندما يكون المتكلم قد فعل ذلك قصدا وعبر عن ما في ذاته حول موضوع معين واستهدف من خلال هذه العملية من يريد أن ينصت إليه، ومن جهة أخرى فإن التواصل لا يصبح ممكنا إلا إذا فهم المرسل إليه القصد الذي يشير إلي المرسل.إذن فعملية التواصل تحدث في إطار هذا التبادل الذي يتم بين من يتكلم ومن ينصت إليه وكل منهما يفهم قصد الآخر. غير أن الواقع يبين أن اللغة التي يتكلمها الناس لاتكون دائما واضحة بل غامضة في كثير من الأحيان نظرا لعدة عوامل نفسية واجتماعية وأخلاقية حيث يظهر أن اللغة تتضمن تقنيات الإخفاء والإضمار وكل متكلم نجده يحتاط في خطابه فيقول أشياء ويسكت عن أشياء أخرى حفاظا على موقعه الاجتماعي أو خوفا من المساءلة والمحاسبة، كما يرى دوكرو بأن اللغة تشبه قواعد لعب يومي ولكنه لعب مبني على الحذر واستباق النتائج.
استنتاج:
إجابة علىا لإشكال : هل للغة وظيفة واحدة أم عدة وظائف؟ تبين لنا أن اللغة التي نتواصل بها مع الآخرين تقوم بعدد كبير من الوظائف، فبالإضافة إلى الوظيفة الرمزية التي ظهرت لنا من خلال تناولنا لعلاقة الإنسان بالعالم الخارجي، وهي علاقة غير مباشرة لأنها تتم عبر مجموعة من الوسائط أهمها اللغة. كذلك ركز علماء اللسانيات وعلى رأسهم دوسوسير وجاكبسون على الوظيفة التواصلية واعتبروها أهم وظيفة تؤديها اللغة، كما بعض النقاد المعاصرين في مجال الأدب والنقد الأدبي أن أهم وظيفة للغة هي الوظيفة الإنتاجية، فاللغة هي التي تنتج الفكر وتعبر عنه وتبلغه في نفس الوقت. وإذا كانت علاقة المرسل بالمرسل إليه واضحة في بعض الأحيان فإنها تكون غامضة ومبهمة في أحيان أخرى مما يجعلنا نتحدث عن وظيفة الكشف والإخفاء، بمعنى أننا عندما نتكلم نقول أشياء ونسكت عن أشياءاخرى. أما الوظيفة السحرية للغة فتحصل عندما يعتقد الإنسان بأن علاقة الكلمات بالأشياء هي علاقة خفية غير مرئية تحكمها رؤية الإنسان السحرية والأسطورية إلى العالم. ومع تطور العلوم الإنسانية المعاصرة ظهرت وظيفة أخرى للغة هي الوظيفة السلطوية، فقد تم التخلي عن التصور الكلاسيكي لمفهوم السلطة باعتبارها قوة مادية قمعية وبرز تصور جديد للسلطة نجده عند ميشال فوكو الذي يقول بأن كل خطاب يتضمن سلطة سواء كان الخطاب شفويا أو مكتوبا، وهذا ما حاول رولان بارث تفسيره حين أكد على أن كل لسان هو تصنيف وكل تصنيف هو نوع من القمع، كما أن اللغة تتميز بما تلزمنا بقوله عن طريق مجموعة من القواعد اللغوية وإعطاء أمثلة من اللسان الفرنسي حول أسبقية الذات على الفعل وإقصاء العنصر المحايد فاللغة لا تعترف إلا بالمذكر والمؤنث.